إن الدول تسعى لحماية اقتصادها بوضع قواعد قانونية تنظم دخول وخروج البضائع من إقليمها، ومن بين أهم القواعد الإجرائية التي تعتمدها هو إخضاع استيراد وتصدير البضائع للمراقبة ودفع الرسوم، وهناك من الدول التي تخفف من تلك الإجراءات ومنها من تشدد في ذلك وفقا لسياستها الاقتصادية.
وقد عرفت الجزائر أول إطار قانوني لحماية اقتصادها بموجب القانون رقم 79-07المؤرخ في 21جويلية 1979 المتضمن قانون الجمارك بعد أن كان القانون الفرنسي هو الساري المفعول بعد الاستقلال، وذلك في السياسة الاشتراكية التي اعتمدتها الدولة وعدل هذا الأخير بموجب القانون رقم 98-10 المؤرخ في 22 أوت 1998 بعد تغيير الدولة لسياستها الاقتصادية من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق.
وان من أهم الجرائم التي عالجها قانون الجمارك والتي تمس مباشرة بالبضائع، جريمة التهريب بموجب المواد 324-325-326-327-328 منه وذلك بحكم المساحة الشاسعة للجزائر وطول حدودها مع باقي الدول المجاورة لتأثيرها المباشر على الاقتصاد ومساسها بصحة المستهلك وإضرارها بحقوق الخزينة.وانه بالرغم من التدابير التي جاء بها قانون الجمارك لوضع حد لظاهرة التهريب ،إلا أن هذه الأخيرة ازدادت انتشارا و أخذت أبعادا خطيرة، بحيث أن المهربين أصبحوا يتكتلون في مجموعات مشكلين عصابات تستعمل كل الوسائل البشرية والمادية لتحقيق أهدافها فدخلت بذلك جريمة التهريب في إطار الجريمة المنظمة تهدد النظام العام والاقتصاد الوطني والصحة العامة.
وفي ظل التغيرات التي عرفها العالم ووضع اتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للأوطان بتاريخ 15 نوفمبر 2000 التي تحث الدول على محاربة الجريمة المنظمة، ومصادقة الجزائر عليها بموجب المرسوم الرئاسي بتاريخ 15 فيفري 2002 ونتائج الاجتماع الدولي الذي نظمته هيئة الأمم المتحدة للحماية من الإجرام بتاريخ 18 أفريل 2005 بعاصمة تايلندا بانكوك الذي تبنى مبدأ محاربة التهريب، ولسعي الجزائر للانضمام إلى منظمة التجارة الدولية وما يترتب عليها من التزامات علي عاتقها ،كل ذلك دفع بالمشرع الجزائري بإخراج جريمةالتهريب من قانون الجمارك وأورد لها قانون خاص بها بموجب الأمر 05-06المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب.
ومن هنا جاء اهتمامنا بدراسة الاتجاه الذي اتخذه المشرع الجزائري في مجال مكافحة التهريب وذلك بالإجابة على الإشكالية التالية :
ماهي التدابير التي جاء بها المشرع في الأمر 05-06 المتعلق بمكافحة التهريب ؟ وهل هي كافية للقضاء على الظاهرة؟.
ولذلك نتعرض في الفصل التمهيدي إلى مفهوم التهريب وأنواعه، وفي الفصل الثاني لتدابير الوقاية من التهريب، وفي الفصل الثالث للتدابير الردعية للتهريب.
عنوان البحث :
1-المقدمة
2-الفصل التمهيدي : مفهوم و أنواع التهريب
المبحث الأول : تعريف التهريب
المطلب الأول : التعريف الفقهي
المطلب الثاني : التعريف القانوني
المبحث الثاني : أنواع التهريب
المطلب الأول : التهريب الفعلي (الحقيقي)
الفرع الأول : فعل استيراد أو تصدير البضائع خارج المكاتب الجمركية
الفرع الثاني : فعل تفريغ و شحن البضائع غشا
الفرع الثالث : الانتقاص من البضائع الموضوعة تحت نظام العبور
المطلب الثاني : التهريب الحكمي
الفرع الأول : أعمال التهريب ذات الصلة بالنطاق الجمركي
الفرع الثاني : أعمال التهريب ذات الصلة بالإقليم الجمركي
المبحث الثالث :أركان جريمة التهريب
المطلب الأول : الركن الشرعي
المطلب الثاني : الركن المادي
الفرع الأول : مفهوم البضاعة
الفرع الثاني : أنواع البضائع
المطلب الثالث : الركن المعنوي
3- الفصل الأول : تدابير الوقاية من التهريب
المبحث الأول : مشاركة المجتمع المدني في الوقاية من التهريب
المبحث الثاني :التدابير التقنية
المبحث الثالث : أجهزة الوقاية من التهريب
المطلب الأول :الديوان الوطني لمكافحة التهريب
المطلب الثاني : اللجان المحلية لمكافحة التهريب
4- الفصل الثاني :التدابير الردعية للتهريب
المبحث الأول : التدابير الموضوعية المتعلقة بجرائم التهريب
المطلب الأول : القواعد المتعلقة بتصنيف جرائم التهريب
المطلب الثاني : إقرار مسؤولية الشخص المعنوي
المطلب الثالث : المساهمون في جريمة التهريب
الفرع الأول : الفاعل
الفرع الثاني : الشريك
الفرع الثالث : المستفيد من الغش
المطلب الرابع : الأحكام المتعلقة بالدعوى العمومية والجبائية
الفرع الأول : الأحكام المتعلقة بالدعوى العمومية
1- الإعفاء من المتابعة وتخفيض العقوبة
2- تطبيق أحكام العود
3- وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية
4- الأخذ بمبدأ الفترة الأمنية
5- تقييد جهة الحكم باستبعاد تطبيق ظروف التخفيف
الفرع الثاني : الأحكام المتعلقة بالعقوبة الجبائية
1- منع المصالحة
2- الغرامة الجبائية
3- المصادرة
4- أحكام التضامن
المبحث الثاني : القواعد الإجرائية لدعم محاربة التهريب
المطلب الأول : معاينة جرائم التهريب
المطلب الثاني : القوة الاثباتية للمحاضر
المبحث الثالث : طرق التحقيق الخاصة
المطلب الأول : أساليب التحري الخاصة
المطلب الثاني : القواعد الإجرائية الخاصة
المبحث الرابع : القواعد المتعلقة بالتعاون الدولي
المطلب الأول : التعاون القضائي
المطلب الثاني : التعاون التلقائي
المطلب الثالث :التعاون العملياتي
5- الخاتمة
الفصل التمهيدي : مفهوم وأنواع التهريب
انه من المسلمات في الفقه القانوني وجوب التعريف بالجريمة وتحديد أركانها لتطبيقها على الواقع.وللمشرع أن يعرف بالجريمة وله كذلك أن يترك ذلك للفقه.
فهل المشرع الجزائري عرف جريمة التهريب؟ذلك ما سنراه فيما يلي :
المبحث الأول : تعريف التهريب
الأصل أن التعريف بالجريمة ياخد بالوصف الواحد مع تحديد أركانها وجريمة التهريب عرفها الفقه والمشرع.
المطلب الأول : التعريف الفقهي للتهريب
من بين الفقهاء الذين اجتهدوا في مادة قانون الجمارك السيدين CLOUDE J BERR ET HENRI TREMEAU .وقد عرفا التهريب« la contre bande est définie comme l’importation ou l’exportation en dehors des bureaux de douane, ainsi que comme tente violation des disposition légales ou règlementaires relatives a la détention et, au transport des marchandise a l’intérieur du
territoire douanier ».’1’
وبالتالي انه في رأي الفقه أن كل إدخال أو إخراج لبضاعة خارج المكاتب المخصصة لجمركة البضاعة و مخالفة القواعد القانونية والتنظيمية التي تنظم الحيازة ونقل البضائع داخل الإقليم الجمركي يشكل تهريب.
أما الأستاذ مجدي مجد حافظ فيرى أن التهريب هو فعل يتعارض مع القواعد التي حددها المشرع بشان تنظيم حركة البضائع عبر الحدود
المصدر: الحقوق و العلوم القانونية
وهذه القواعد إما أن تتعلق بمنع استيراد أو تصدير بعض السلع، أو تتعلق بفرض الضرائب الجمركية على السلع في حالة إدخالها أو إخراجها من إقليم الدولة، بالإضافة إلى التهرب من دفع الضرائب الجمركية.'2'
"أما الأستاذ خليفة أحمد فقد عرفه بأنه كل مخالفة للقواعد الآمرة و الناهية الملزمة التي يتضمنها قانون الجمارك "
المطلب الثاني : التعريف القانوني
بالرجوع إلى الأمر 05-06 المتعلق بمكافحة التهريب، نجد أن المشرع لم يعرف التهريب بالرغم من أن الأمر هو قانون خاص بالتهريب
وإنما نص في المادة 2منه فيما يخص التهريب : " إن الأفعال الموصوفة بالتهريب في التشريع والتنظيم الجمركيين المعمول بهما وكذلك في هذا الأمر".
وبالتالي يتجلى أن الأمر أحال على المادة 324 من قانون الجمارك التي نصت على انه يقصد بالتهريب ما يأتي :
-استيراد البضائع أو تصديرها خارج مكاتب الجمارك
- خرق أحكام المواد 25و 51و60 و 62 و 64 و 221 و 222 و 223 و 225 مكرر و 226 من نفس القانون
- تفريغ وشحن البضائع غشا
- الانتقاص من البضائع الموضوعة تحت نظام العبور
يتبين من خلال تعريف التهريب إن هناك نوعان من التهريب، الأول فعلي أو حقيقي، والثاني أعطى له القانون حكم التهريب.والذين سنتطرق إليهما فيما يلي :
1 -CLOUDE J.BERRet et HINRE TREMEAU TREMEAU, le droit dounier
comunautaire et national ECONOMICA 1997 p 450
- 2- حافظ مجد مجدي/جريمة التهريب في ضوء الفقه واحكام النقض،القاهرة 1984 ص 85
3– الأستاذ خليفة أحمد تهريب البضائع و التدابير الجمركية الوقائية المطبعة الجهوية وهران ص12
المبحث الثاني : أنواع التهريب
المطلب الأول :التهريب الفعلي(الحقيقي)
يعتبر فعل استيراد البضائع وتصديرها خارج المكاتب الجمركية الصورة المثلى للتهريب'1'، وقد يأخذ التهريب الفعلي عدة صور أهمها :
الفرع الأول :-فعل استيراد أو تصدير البضائع خارج المكاتب الجمركية :
لقد أوردت المادة 51من فانون الجمارك التزام على عاتق المستورد أو المصدر للبضاعة أن يحضرها إلي المكتب الجمركي بنصها : "يجب إحضار كل بضاعة مستوردة أو أعيد استيرادها أو المعدة للتصدير أو لإعادة التصدير أمام مكتب الجمارك المختص قصد إخضاعها للمراقبة الجمركية".
وعليه فان إدخال أو إخراج البضاعة خارج المكاتب الجمركية يشكل تهريب حقيقي.وان فعل إحضار البضاعة أمام الجمارك يختلف حسب وسيلة النقل المستعملة،إن كان النقل برا وجب إحضار البضائع المستوردة عبر الحدود البرية فورا إلى اقرب مكتب للجمارك من مكان دخولها بإتباع الطريق الأقصر المباشر الذي يعين بقرار الوالي '2'.
وإذا كان النقل جوا وجب على المراكب الجوية التي تقوم برحلة دولية أن تهبط في المطارات التي يوجد بها مكاتب جمركية، إلا إذا أذن لها بخلاف ذلك'1'.
1-أحسن بوسقيعة المنازعات الجمركية ،دار هومة ص 12
2-المادة 60 من قانون الجمارك
الفرع الثاني :-فعل تفريغ وشحن البضائع غشا :
إن الصورة الثانية لفعل التهريب الفعلي هو تفريغ وشحن البضائع غشا، وذلك ما يستفاد من نص المادة 64 من قانون الجمارك التي تنص "يمنع تفريغ البضائع أو إلقائها أثناء الرحلة إلا في حالة وجود أسباب قاهرة، أو برخصة من السلطات المختصة بالنسبة لبعض العمليات".
وبالتالي إذا خالف صاحب وسيلة النقل الالتزام المنوه إليه أعلاه، فيكون بفعله هذا قد ارتكب جريمة التهريب.
الفرع الثالث : الانتقاص من البضائع الموضوعة تحت نظام العبور.
إن نظام العبور هو من الأنظمة التي اعتمدها
قانون الجمارك بموجب المادة 125 التي تنص : "العبور هو النظام الجمركي الذي توضع فيه البضائع تحت المراقبة الجمركية المنقولة من مكتب جمركي إلى مكتب جمركي آخر برا أو جوا، مع وقف الحقوق والرسوم وتدابير الحظر ذات الطابع الاقتصادي " ولقد أوقفت المادة 127من قانون الجمارك الاستفادة من نظام العبور، اكتتاب الملتزم تصريح مفصل يحتوي على التزام مكفول يلتزم بموجبه تحت طائلة العقوبات بتقديم البضائع المصرح بها إلى المكتب المحدد ،وبترصيص سليم وفي الآجال المحددة، وعبر الطريق المعين وان أي إنقاص من البضائع الخاضعة لنظام العبور يشكل جريمة التهريب
1-المادة 62 من قانون الجمارك
المطلب الثاني :التهريب الحكمي
إن التهريب الحكمي هو نوع من التهريب يدخل في المفهوم العام لجريمة التهريب، وقد ألحقه المشرع بالتهريب الحقيقي لكونه يؤدي إلى نفس النتيجة.
ويمكن تصنيف صور التهريب الحكمي التي يمكن اعتبارها تهريبا بحكم القانون إلى مجموعتين :
الفرع الأول : أعمال التهريب ذات الصلة بالنظام الجمركي
قبل التطرق لأعمال التهريب ذات الصلة بالنطاق الجمركي، من الواجب تعريف هذا الأخير وقد عرفها الأمر 05-06 المتعلق بمكافحة التهريب على انه منطقة خاصة للمراقبة على طول الحدود البحرية والبرية طبقا لقانون الجمارك، ويشمل النطاق الجمركي طبقا للمادة 29 من قانون الجمارك المنطقة البحرية، التي تتكون من المياه الإقليمية والمنطقة المتاخمة لها والمياه الداخلية كما هي محددة في التشريع المعمول به.ومنطقة برية تمتد على الحدود البحرية من الساحل إلى خط مرسوم على بعد ثلاثين كيلومتر(30 كلم) منه، وعلى الحدود البرية من حد الإقليم الجمركي إلى خط مرسوم على بعد ثلاثين كيلومترا(30 كلم) منه.
وترجع فكرة إنشاء النظام الجمركي إلى اعتبارات عملية، تتمثل في مكافحة التهريب وقد اخضع قانون الجمارك بعض البضائع إلى رخصة التنقل في حالة وجودها في منطقة من النظام الجمركي .فيجب التصريح بها لدى اقرب مكتب جمركي مع الالتزام بالتعليمات الواردة بالرخصة.
وان البضائع الخاضعة لرخصة التنقل تحدد بقرار من وزير المالية طبقا للمادة 220 من قانون الجمارك، وقد صدر قرار لوزير المالية بتاريخ 20 جويلية 2005 منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 9 افريل 2006 يحدد قائمة البضائع الخاضعة لرخصة التنقل طبقا لأحكام المادة 220 من قانون الجمارك ب59 بضاعة، وذلك بموجب المادة 2 منه.وأعفى القرار نقل البضائع من رخصة التنقل الذي يتم داخلالمدينة ذاتها التي يوجد فيها موطن المالكين أو الحائزين أو المعدين بيع البضائع المنصوص عليها في القرار، ما عدا التنقل الذي يتم في البلدان الواقعة بالجوار الأقرب للحدود والذي يقوم به الرجل. بالنسبة للبضائع تحدد طبيعتها وكميتها بقرار من الوالي المختص إقليميا ولقد حدد القرار كذلك كمية من البضائع المعفية من رخصة التنقل.
وعليه فان حيازة البضائع المنوه إليها في القرار السالف الذكر دون رخصة تنقل أو عدم احترام التعليمات الواردة بها يعتبر تهريبا ،ولقد كرس هذا المبدأ القضاء في أحكامه بتأكيده وجوب احترام رخصة التنقل واستعمالها في الوقت المحدد والخط المرسوم والتأشير على الرخصة "1".وان انعدام رخصة التنقل في النظام الجمركي يشكل تهريب"2"1- قرار صادر عن غرفة الجنح و المخالفات للمحكمة العليا بتاريخ 26/06/2000 رقم 216025 منشور2- قرار صادر عن نفس الغرفة بتاريخ 04/04/2000 منشورالفرع الثاني : أعمال التهريب ذات الصلة بالإقليم الجمركيلقد عرفت المادة الأولى من قانون الجمارك الإقليم الجمركي بأنه يشمل، الإقليم الوطني والمياه الداخلية والمياه الإقليمية و المنطقة المتاخمة والفضاء الجوي الذي يعلوها.ويشمل التهريب في الأقليم الجمركي : 1- تنقل البضائع الحساسة و القابلة للتهريب بدون وثائق مثبتة أو حيازة البضائع الحساسة القابلة للتهريب بدون وثائق مثبتة طبقا للمادة 226 من قانون الجمارك، وقد حددت المادة أن المقصود بالوثائق المثبتة إيصالات جمركية، أو وثائق جمركية أخرى تثبت أن البضائع استوردت بصفة قانونية، أو يمكن لها المكوث داخل الإقليم الجمركي أو فواتير شراء أو سندات تسليم أو أي وثيقة أخرى تثبت أن البضائع من جنسية أو صنعت أو أنتجت في الجزائر، أو أنها اكتسبت بطريقة أخرى ذات المنشأ الجزائري.وان البضائع الحساسة القابلة للتهريب تحدد بقرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالتجارة، وهي محددة حاليا بموجب قرار وزير المالية الصادر في 30 نوفمبر 1994 .وان قانون الجمارك يستوجب إظهار الوثائق المثبتة السالفة الذكر للبضاعة عند أول طلب للأعوان المذكورين في المادة 241 من نفس القانون وهم : أعوان الجمارك وضباط الشرطة القضائية وأعوانها المنصوص عليهم في قانون الإجراءات الجزائية، وأعوان مصلحة الضرائب وأعوان المصلحة الوطنية لحراسة الشواطئ وكذا الأعوان المكلفين بالتحريات الاقتصادية، والمنافسة والأسعار والجودة وقمع الغش.وبعد تحليلي مفهوم التهريب وأنواعه سنتطرق فيما يأتي إلى أركان جريمة التهريبالمبحث الثالث : أركان جريمة التهريبتتكون الجريمة بصفة عامة من ثلاث أركان ركن شرعي، مادي، معنوي.الركن الشرعي هو النص القانوني الذي يجرم ويعاقب على الفعل، والركن المادي هو الفعل الذي يشكل كيان الجريمة، والنتيجة المترتبة على هذا الفعل وعلاقة السببية التي تربط بين الفعل والنتيجة والركن المعنوي الذي يتمثل في العلم والإرادة.فما مدى إسقاط المبادئ العامة على جريمة التهريب؟للإجابة عن السؤال سنتطرق إلى مختلف الأركان السالفة الذكر كما يلي :المطلب الأول : الركن الشرعيمن المبادئ المسلم بها قانونا أن التجريم يحكمه مبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"'1'ما يراد بالنص، هو النص التشريعي الذي تصدره السلطة التشريعية وان المصدر الشرعي في جرائم التهريب ينقسم بين قانون الجمارك الصادر بموجب القانون رقم 79-07 المؤرخ في 21 جويلية 1979 المعدل والمتمم، والأمر رقم 05-06 المؤرخ في 23 أوت المتعلق بمكافحة التهريب فقانون الجمارك حدد مفهوم التهريب، والالتزامات القانونية التي يترتب على مخالفتها نشوء الدعوى العمومية والدعوى الجبائية، أما قانون التهريب فصنف الجرائم والعقوبات المقررة لها.إلا أن ما يميز الركن الشرعي في جرائم التهريب، تدخل السلطة التنفيذية في تحديد محل جريمة التهريب وهي البضاعة.فنجد أن المشرع أعطى للسلطة التنفيذية صلاحية تحديد البضائع ذات الرسم المرتفع أو الحساسة للتهريب والبضائع التي تخضع لرخصة النقل، فتنص المادة 220 من قانون الجمارك "يحدد وزير المالية1- المادة الاولى من قانون العقوبات2- بقرار البضائع التي يجوز تنقلها داخل المنطقة البرية من النطاق الجمركي، ما لم تكن مرفقة برخصة مكتوبة من إدارة الجمارك أو إدارة الضرائب حسب الحالة وتسمى أدناه رخصة التنقل".وان القرار المذكور أعلاه لا يحدد فقط البضائع محل رخصة التنقل، وإنما من حيث الكمية المعفاة من الرخصة.وفي نفس السياق تنص المادة 226 من قانون الجمارك "تخضع حيازة البضائع الحساسة للغش لإغراض تجارية وتنقلها عبر سائر الإقليم الجمركي والتي تحدد قائمتها بقرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالتجارة، لتقديم بناءا على طلب الأعوان المذكورين في المادة 241 من قانون الجمارك، الوثائق التي تثبت الحالة القانونية لهذه البضائع إزاء القوانين والأنظمة تكلف إدارة الجمارك بتطبيقها". المطلب الثاني : الركن المادي لا تكون الجريمة بدون فعل يتخذ مظهرا خارجيا يدل عليها، فالقانون لا يعاقب على نية الأشخاص وعليه لا بد من قيام المتهم بنشاط مادي يترجم النوايا لتتم الجريمة.والركن المادي هو الركن الأساسي و الجوهري في جريمة التهريب وهو الذي يظهرها إلى الوجود، ويتمثل الركن المادي في السلوك الذي يقوم به الشخص المخالف للالتزامات الواردة في نص المواد 25-51-60-62-64-221-222-223-225و225 مكررو226 من قانون الجمارك ،و تفريغ وشحن البضائع غشا والانتقاص من البضائع الموضوعة تحت نظام العبور. والتهريب قد يقع فعلا بإدخال البضاعة أو إخراجها من الإقليم الجمركي خارج المكاتب الجمركية، وقد يقع حكما بان يكون سلوك الفاعل من شانه أن يجعل إدخال البضاعة أو إخراجها وشيك الوقوع.وان محل الركن المادي هو البضاعة التي سنتطرق إليها كالتالي :الفرع الأول : مفهوم البضاعةإن البضاعة هي أصلا محل المخالفات الجمركية، وتعرف بمفهومها العام على أنها كل ما يتاجر فيه أي كل ما يباع ويشترى"1".وقد عرفها الأمر المتعلق بمكافحة التهريب في المادة 2 منه، على أنها كل المنتجات و الأشياء التجارية أو غير التجارية، وبصفة عامة جميع الأشياء القابلة للتداول و التملك.وان المادة 10 من الأمر السالف الذكر قد حددت البضاعة محل التهريب ب15 نوعا، ثم أحال على المادة 2 المنوه إليها أعلاه بخلاف المواد التي كانت تعاقب على التهريب بقانون الجمارك.1-د أحسن بوسقيعةالمرجع السالف الذكر الفرع الثاني : أنواع البضائعإن البضائع محل التهريب وفقا لقانون الجمارك هي :1- البضائع المحظورة وهي الخاضعة لإجراءات الحضر، سواء عند التصدير أو الاستيراد،وقد يكون مطلقا أو نسبيا،أو تكون من نوع البضاعة الخاضعة لإجراءات الجمركة طبقا للمادة 12 من قانون الجمارك .2- البضائع الخاضعة لرسم مرتفع وهي البضائع الخاضعة للحقوق و الرسوم التي تتجاوز نسبتها 45 /3- البضائع الخاضعة لرخصة التنقل، وهي البضائع التي تخضع حيازتها داخل النطاق الجمركي،لرخصة التنقل طبقا للمادة 220 من قانون الجمارك وتحدد قائمتها من طرف وزير المالية. 4- البضائع الحساسة للتهريب وهي البضائع المعرضة للتهريب، و قائمتها تحدد بموجب قرار وزاري مشترك بين الوزير المكلف بالتجارة و الوزير المكلف بالمالية. المطلب الثالث : الركن المعنوي إن التطرق للركن المعنوي لجريمة التهريب يحيلنا إلى نص المادة 281 من قانون الجمارك التي تنص الفقرة الأولى منها"لا يجوز للقاضي تبرئة المخالفين استنادا إلى نيتهم".وهذه الفقرة كرست مبدأ انعدام الركن المعنوي لجرائم التهريب، وبالتالي فان هذه الأخيرة هي جرائم مادية بحتة فيكفي لقيامها توفر الركن الشرعي والركن المادي.ويرى الدكتور أحسن بوسقيعة " إن المسؤولية في المجال الجمركي بدون قصد وبدون خطا أو بمعنى أخر، يكفي لقيام الجريمة مجرد وقوع الفعل المادي المخالف للقانون دون الحاجة إلى البحث في توافر النية أو إثباتها" '1'. إن قاعدة انعدام الركن المعنوي في جرائم التهريب ليست مطلقة وإنما يرد عليها استثناء،هذا الأخير الذي يستشف من نص المادة 26 من الأمر 05-06 المتعلق بمكافحة التهريب التي تنص"تطبق على أفعال التهريب المنصوص عليها في قانون العقوبات بالنسبة للمساهمين في الجريمة،وفي قانون الجمارك بالنسبة للمستنفدين من الغش."ومن المساهمين في الجريمة الشريك،ولاعتبار شخص الشريك في جريمة التهريب يجب أن يكون هذا الأخير من ساعد أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك"2".وعليه فان عنصر العلم باركان جريمة التهريب ضروري لإعطاء وصف الشريك في أفعال التهريب.1- الدكتورأحسن بوسقيعة / المرجع السالف الذكر المادة 42 من قانون العقوباتالفصل الأول : تدابير الوقاية من التهريبإن التهريب جريمة متفشية خاصة بالمناطق الحدودية للجزائر،وإنها تختلف عن باقي الجرائم لكون عامة الناس لا يرون فيها طابع مشين.والرأي العام في بلادنا مازلت تسوده ذهنية "البايلك" ولا يرى في الجرائم الجمركية عملا مؤثما ولا يجد فيها خدشا للشرف والكرامة"1".وبالتالي استعصى القضاء على التهريب ،وبالرجوع إلى الأمر 05-06 المتعلق بمكافحة التهريب نجد انه جاء ببعض المفاهيم الوقائية وذلك سعيا منه للقضاء على الجريمة والتي نتطرق إليها فيما يليالمبحث الأول : مشاركة المجتمع المدني في الوقاية من التهريبكما سبق الإشارة إليه،فان جريمة التهريب لديها معنى آخر لدى عامة الناس،وعليه اقر المشرع مبدأ إشراك المجتمع المدني في محاربة التهريب الذي يتمثل في الجمعيات ،والمنظمات الوطنية ،وذلك بالمساهمة في تعميم ونشر برامج تعليمية وتربوية تحسيسية حول مخاطر التهريب على الاقتصاد والصحة العمومية والمساهمة في فرض احترام أخلاقيات المعاملات التجارية،والإبلاغ عن أفعال التهريب وشبكات توزيع وبيع البضائع المهربة وتشجيع الأفراد على إعطاء المعلومات للسلطات العمومية ،وذلك بمنحهم تحفيزات مالية.1- أاحسن بوسقعة المرجع السالف الذكر ص 37المبحث الثاني : التدابير التقنيةمن التدابير التي جاء بها الأمر 05-06 المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب،الوقاية من التهريب بمراقبة تدفق البضائع التي تكون عرضة للتهريب ووضع نظام للكشف عن مواصفات البضائع ومصدرها وإعلام وتوعية وتحسيس المستهلك حول مخاطر التهريب،وتعميم نشر القوانين المتعلقة بحماية الملكية الفكرية لا سيما أن الجزائر صادقت على عدة اتفاقيات لحمايتها وبالتالي يترتب عنها وجوب العمل على حمايتها بفعالية.إضافة إلى ما تم سرده فان تعميم استعمال وسائل الدفع الالكتروني ودعم الترتيب الأمني للشريط الحدودي بشكل خاص في المناطق البعيدة عن مراكز المراقبة يساهم في الوقاية من التهريب.ولكون ظاهرة التهريب أصبحت تتعدى الحدود ولها وصف الجريمة العابرة للأوطان فان ترقية التعاون الدولي في مجال مكافحة التهريب على المستويين القضائي والعملياتي تعتبر من الطرق الفعالة للوقاية من التهريب.المبحث الثالث : أجهزة الوقاية من التهريبانه من خلال الاطلاع على مواد قانون مكافحة التهريب يتبين لنا جليا ان دور الجمارك في الوقاية من التهريب قد تقلص وتم وضع أجهزة أخرى للوقاية وهي كالتالي :المطلب الأول : الديوان الوطني لمكافحة التهريبلقد انشأ قانون التهريب ديوان وطني مهمته مكافحة التهريب،يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتم وضعه تحت سلطة رئيس الحكومة ومن بين صلاحياته
إعداد برنامج عمل وطني لمكافحة التهريب والوقاية منه،وتنظيم جمع ومركزة المعلومات والمعطيات والدراسات ذات الصلة بظاهرة التهريب.وإضافة إلى الصلاحيات السالفة الذكر ،فان الديوان الوطني لمكافحة التهريب يتضمن تنسيق ومتابعة نشاطات مختلف المتدخلين في مجال الوقاية من التهريب ومكافحته من أعوان الجمارك ورجال الدرك الوطني،ورجال الشرطة ومصالح الضرائب وحراس الشواطئ،وكذلك أعوان المنافسة وقمع الغش.وفي المجال الدولي يسعى الديوان الوطني لمكافحة التهريب لاقتراح تدابير ترمي إلى ترقية وتطوير التعاون الدولي في مجال مكافحة التهريب والعمل على وضع نضام إعلامي مركزي المؤمن بهدف توقيع وتقييم الاخطار للوقاية من التهريب ومكافحته والمساهمة في ضمان امن الشبكة الوجيستيكية الدولية والتقييم الدوري للأدوات والآليات القانونية وكذا الإجراءات الإدارية المعمول بها في مجال مكافحة التهريب وتقديم أي توصيات من شانها المساهمة في مكافحة التهريب وإعداد برامج إعلامية وتحسيسية حول الآثار الضارة الناجمة عن التهريب مع تقديم تقرير لرئيس الحكومة.المطلب الثاني : اللجان المحلية لمكافحة التهريب.إلى جانب الديوان الوطني لمكافحة التهريب فان الامر 05-06 انشا لجان محلية لمكافحة التهريب على مستوى الولايات عند الاقتضاء،تحت سلطة الولاة ومن مهام هذه اللجان تنسيق نشاطات مختلف المصالح المكلفة بمكافحة التهريب،المتمثلة في مصالح الأمن وأعوان الجمارك وأعوان الضرائب و أعوان المنافسة والأسعار وقمع الغش.
ولما كانت التدابير الوقائية غير كافية لوحدها للقضاء على التهريب فان الأمر 05-06 المتعلق بمكافحة التهريب جاء بقواعد موضوعية اجرائية لردع أفعال التهريب والتي نتطرق اليها.الفصل الثاني : التدابير الردعية للتهريبان وضع آليات للوقاية من التهريب والتي تم التطرق اليها انفا لا يكفي للقضاء على هذا الأخير،وعليه فان الأمر 05-06 المتعلق بالتهريب جاء ببعض الأحكام ، أراد من وراءها المشرع الجزائري ردع جريمة التهريب فتراجع عن بعض المبادئ التي كانت مقررة في القانون رقم 79-07 المؤرخ في 21 جويلية 1979 المعدل و المتمم ،وجاء ببعض القواعد غير مألوفة في المنظومة القانونية الجزائرية،وعليه تعرض للأحكام التي تضمنها الأمر وذلك بالتطرق إلى التصنيف الذي اعتمده في نفس جرائم التهريب والنتائج المترتبة عنه،ثم أحكام المسؤولية الجزائية التي تبناها المشرع.المبحث الأول :التدابير الموضوعية القواعد المتعلقة بمكافحة التهريبالمطلب الأول: القواعد المتعلقة لتصنيف جرائم التهريبإن المبدأ العام في تقسيم الجرائم هو وفقا لخطورتها،وتصنف الجرائم في قانون العقوبات إلى جنايات وعقوبتها الأصلية الإعدام،السجن المؤبد،السجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس(5) سنوات وعشرين(20)سنة،والجنح وعقوبتها الأصلية هيا الحبس مدة تتجاوز شهرين إلى خمس(5) سنوات ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدود أخرى،الغرامة التي تتجاوز ألفين دينار جزائري،والمخالفات وعقوبتها الأصلية هي الحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر،الغرامة من 20الى 2000 دج"1".1-المادة 5 من قانون العقوبات